يمر كوكب الأرض بدورات مناخية متقلبة ، هذه الدورات تتم على مراحل زمنية متطاولة ومتدرجة قد تمتد إلى مئات بل آلاف السنين .
وقد اكتشف علماء الجيولوجيا في العصر الحديث ، أن الأرض
قد مرت بعدد من دورات زحف الجليد على اليابسة ، وتعرف هذه الدورات باسم "
الدورات الجليدية " ، حيث تتحول كمية من مياه البحار إلى ثلوج ، وتتجمع في
أحد قطبي الأرض أو فيهما معاً ، ثم تبدأ بالزحف في اتجاه خط الاستواء ، وقد
ينحسر الزحف في الدورة الواحدة عدة مرات ، وفي أثناء هذا الزحف الجليدي
على اليابسة تتحول مناطق معينة في خطوط الطول والعرض العليا إلى مناطق
جليدية تنعدم فيها الحياة ، بينما يتغير الطقس في مناطق أخرى ، فتتحول إلى
مناطق أمطار غزيرة ، بسبب التغير الحاصل في المناخ ، ومن هذه المناطق
الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غرباً إلى أواسط آسيا شرقاً ، حيث ثبت
أن هناك أودية جافة منتشرة في صحارى تلك المنطقة ، وأنها شقت في تلك
الفترة حين كانت أنهاراً متدفقة ثم جفت مع تناقص كمية الأمطار .
ومن ذلك ما حدث في بلاد العرب ، فقد ثبت بالدراسة أن
جزيرة العرب قد مرت خلال الثلاثين ألف السنة الماضية بفترات ممطرة ،
كُسِيَت خلالها بالمروج الخضراء ، وتدفقت فيها الأنهار بالمياه الجارية ،
وتحولت المنخفضات فيها إلى بحيرات ، حتى إن صحراء الربع الخالي التي تعتبر
اليوم واحدة من أكثر مناطق الأرض جفافاً ، ثبت أن بها أعداداً من البحيرات
الجافة والمجاري المائية المدفونة تحت رمالها ، وأن تلك البحيرات والمجاري
كانت زاخرة بالحياة ومتدفقة بالمياه إلى زمن قوم عاد ، الذين أقاموا في
جنوب الجزيرة العربية حضارة لا تدانيها حضارة في زمنها ، وقد حكى لنا
القرآن شيئا من أخبارهم ، فقال عز وجل عن نبيه هود وهو يعظ قومه ويذكرهم نعم الله عليهم : {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأموال وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } (الشعراء: 132- 135) .
ونحن اليوم نعيش في نهاية آخر دورة من دورات الانحسار
الجليدي ، ويبشر العلماء ببداية دورة جليدية جديدة ، وقد بدأت بوادرها
بالفعل ، حيث تشير الدراسات المناخية إلى أننا قادمون على فترة ممطرة جديدة
، شواهدها بدايات زحف الجليد في نصف الكرة الشمالي باتجاه الجنوب ،
وانخفاض في درجات حرارة فصل الشتاء ، ولولا التزايد المطرد في معدلات
التلوث البيئي التي تزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري ، لشاهدنا زحف الجليد
على كل من أمريكا الشمالية وأوربا وآسيا في زماننا الراهن ، مما يؤكد عودة
هذه الصحراء القاحلة مروجاً وأنهارا مرة أخرى .
فهذه الحقائق لم يتوصل الإنسان إلى معرفتها إلا في
العقود المتأخرة من القرن العشرين ، وقد أشار إليها النبي - صلى الله عليه
وسلم - قبل ذلك بقرون متطاولة وأزمان متباعدة ، وذلك في الحديث الذي رواه
الإمام مسلم عن أبي هريرة حيث قال : ( لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض ، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه ، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ) .
والعود في الأصل هو رجوع الشيء إلى ما كان عليه سابقاً ،
وعلى هذا يكون المعنى أن أرض العرب كانت مروجاً وأنهارا ً، وأنها بعد فترة
من الزمن ستعود ثانية فتجري فيها الأنهار ، وتمتلئ بالمروج الخضراء التي
تغطي أرضها .
فمن أين له - صلى الله عليه وسلم - الإتيان بهذه
الحقائق الكونية التي لم يدركها العلماء إلا في العصر الحديث ، إن لم يكن
نبيا رسولاً ، تلقى هذا العلم عن رب الكون ، وخالق السموات والأرض ، الذي
أرسله وأيده بهذه المعجزات والبراهين لتقوم بها الحجة على العالمين في كل
زمان ومكان.
0 commentaires
إرسال تعليق